حددت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة القادمة خالد بدير باعتبار أنها أصبحت خطبة موحدة لكل المساجد في مصر، حيث تأتي الخطبة بعنوان “أمك ثم أمك ثم أمك”.
وفي هذا السياق، يسعي العديد من الأئمة والخطباء لمعرفة خطبة الجمعة القادمة وذلك بغية التحضير لها بشكلٍ مسبق، والإعداد لها بشكل جيد.
خطبة الجمعة القادمة
وتحرص وزارة الأوقاف المصرية في مطلع كل شهر على بيان كافة موضوعات خطب الجمعة 2025 وذلك يسيرًا على الخطباء بجميع المساجد والساحات.
وحول عنوان خطبة الجمعة القادمة لوزارة الاوقاف فهي توافق الجمعة الثالثة يوم 21 مارس 2025 حول دور الأم وفضلها.
وتهتم وزارة الأوقاف بانتقاء موضوعات الخطب بدقة، بحيث تمس القضايا المجتمعية والدينية، التي تهم كل مسلم ومسلمة، ولتثقيف المواطنين في أمور دينهم ودنياهم.
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير
وتتحدث خطبة الجمعة القادمة خالد بدير عن عدة عناصر وهي كالتالي:
أهميةُ الأخلاقِ ومكانتُهَا في الإسلامِ.
التعايشُ السلميُّ صورٌ ومظاهرُ مشرقةٌ.
قضايا اجتماعيةٌ معاصرةٌ.
موضوع خطبة الجمعة
وتأتي خطبة الجمعة القادمة خالد بدير والتي أشرنا إلي عناصرها لفضيلة الشيخ خالد بدير كالتالي:
حثُّ الإسلامِ على برِّ الأمِّ.
برُّ الأمِّ صورٌ ونماذجّ مشرقةٌ.
الاجتهادُ في العشرِ الأواخرِ.
خطبة الجمعة خالد بدير
العنصر الأول حث الإسلام على بر الأم
لقد حثنا الشارع الحكيم على البر والإحسان إلى الوالدين ولا سيما في مرحلة الكبر والشيخوخة،
قال تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23-24]،
واعتبر الإسلام ذلك شكرا لهما على ما قدماه لك من معروف وتربية ورعاية في حال صغرك،
قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (لقمان: 14)، فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره تعالى؟!! قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة بغير قرينتها، قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. الثالثة: قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولمنزلة ومكانة بر الوالدين جعله الرسول ﷺ من أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة، فعن عبد الله قال: ” سألت النبي ﷺ: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ” . ( متفق عليه ) .
ثانيًا: بر الأم صور ونماذج مشرقة
تعالوا لنعرض لكم صورًا مشرقة من سلفنا الصالح وكيف كانوا بارين بآبائهم وأمهاتهم مقارنة بواقعنا المعاصر.
فقد رأى ابن عمر – رضي الله عنهما – رجلاً يطوف بالكعبة حاملاً أمه على رقبته فقال: يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا! ولا بطلقة واحدة ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيرًا.
وكان علي بن الحسن: لا يأكل مع والديه فقيل له في ذلك؟! فقال: لأنه ربما يكون بين يدي لقمة أطيب مما يكون بين أيديهما وهما يتمنيان ذلك، فإذا أكلت بخست بحقهما!!
وهذا أبو هريرة كانت أمه في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا. (الأدب المفرد للبخاري).
وعن محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى أنه قال: “بت أغمز رجل أمي، وأخي عمر يصلي الليل، وما أحب أن ليلتي بليلته”؛ أغمز: أي أدلكها لمرض أصابها، أي: واحد يبر أمه، والآخر بطاعة ربه فكان يرى أن بر أمه أعظم من طاعة ربه!! لذلك قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: “إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله- عز وجل- من بر الوالدة” (الأدب المفرد للبخاري).
وأختم صور بر الأم عند سلفنا الصالح بهذه القصة الجميلة التي تنبأ بها النبي ﷺ للتابعي الجليل أويس بن عامر الذي أصبح مجاب الدعوة من كثرة بره لأمه.
فعن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي. فاستغفر له.” (مسلم).
قال القاضي عياض: “وقول النبي ﷺ فيه: “له والدة، هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره”: إشارة إلى إجابة دعوته وعظيم مكانته عند ربه، وأنه لا يخيب أمله فيه، ولا يكذب ظنه به، ولا يرد دعوته ورغبته وعزيمته وقسمه في سؤاله بصدق توكله عليه وتفويضه إليه، وقيل: معنى “أقسم على الله”: وعى، و”أبره” أجابه، وفيه فضل بر الوالدين، وعظيم أجر البر بهما.” أ.ه. وقال النووي: “هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه، وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح، وإن كان الطالب أفضل منهم.”
هكذا علمنا السلف الصالح رضي الله عنهم كيف نبر الأم ونعظم قدرها؛ وهي الأم التي صنعت الرجال؟!
وقد يقول قائل: إن أمي ماتت، فهل لي من بر أبرها به بعد موتها؟! أقول: تعال معي استمع إلى حبيبك ﷺ، فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة قال: بينما نحن عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، أبقى من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: “نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.” (أبو داود وابن ماجة).
وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ قال: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية؛ أو علم ينتفع به؛ أو ولد صالح يدعو له.” (مسلم).
وهكذا يجب علينا بر آبائنا وأمهاتنا أحياءً وأمواتًا؛ لنحظى ببر أولادنا لنا، فيكون الجزاء من جنس العمل.
ثالثًا: الاجتهاد في العشر الأواخر
للعشر الأواخر من رمضان فضل عظيم عند الله تعالى، وقد ذكرها الله في قوله: {وَالْفَجْرِ؛ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 1 ؛ 2)، وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أنها العشر الأواخر من رمضان؛ لذلك كان يجتهد فيها النبي ﷺ بالطاعة والعبادة والقيام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر” (متفق عليه). قال الإمام ابن حجر: “أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه؛ لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعًا؛ لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته.” (فتح الباري)، وشد المئزر كناية عن بلوغ الغاية في اجتهاده عليه السلام في هذه العشر. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها” (مسلم). يقول الإمام النووي: “يستحب أن يزاد من الطاعات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليها بالعبادات.”
وقد سارت قوافل الصالحين تقف عند العشر وقفة جد وصرامة، تمتص من رحيقها وتنهل من معينها، وترتوي من فيض عطاءاتها، وتعمل فيها ما لا تعمل في غيرها، حتى صنعت هذه العشر رجالًا تربوا على الطاعة والإيمان. يقول أبو عثمان النهدي: «كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من محرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان». ومن شدة تعظيمهم لهذه الأيام كانوا يتطيبون لها ويتزينون، قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل كل ليلة!
وكان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبان المسجد بالنضوح في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر. قال ثابت: وكان لتميم الداري حلة يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.
هكذا كانوا تعظيمًا لهذه العشر، وهكذا كانوا اجتهادًا في العبادة وانقطاعًا لها في هذه الليالي المباركات.
فأين نحن من قوم كانوا أنضاء عبادة وأصحاب سهر؟!
انظروا إلى امرأة حبيب العجمي -وهو أحد السلف- تقول له في الليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سرت ومضت، ونحن بقينا.
فهذه المرأة لم تنشغل بطعام ولا بشراب، ولا بوصفات إعداد الأطعمة، ولا بالموضات وما ينزل خصيصًا في العشر الأواخر من الملابس والموضات، لقد شغلهم المشاغل الإيمانية، وألهتهم عن هذه الأمور الدنيوية.
وهكذا الفرق بين حالنا في رمضان وحال سلفنا الصالح، وكفى بالواقع المعاصر على ذلك دليلًا!!!
كما كان من هديه ﷺ في هذه العشر الأخيرة من رمضان أنه يتحرى ليلة القدر، فهي خير من ألف شهر. وقال ﷺ في ذلك: “من كان متحريها فليتحرها من العشر الأواخر.” (البخاري)؛ فيا سعادة من نال بركتها وحظي بخيرها، ويستحب الإكثار من الدعاء فيها، فعن عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال: “قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني.” (الترمذي وابن ماجة).